قصة رائعة لرجل اسمه باخوم ربح كل وخسر نفسه
لازالت القصة الجميلة التى كتبها الروائى الروسى العظيم ليو تولوستوى ( 1828- 1910) بعنوان " ستة أقدام " ، لازالت تحمل عظة وعبرة لكل الأجيال . ويحكى تولوستوى قصة رجل قروى إسمه " باخوم " ، جلس فى بيته الريفى الصغير ، وقال فى نفسه: " آه لو كنت أملك قطعة من الأرض لكنت أهنأ بالاً وأسعد حالاً ، ولا أخاف من رئيس الأبالسة نفسه "! وسمع إبليس حديثه الصامت ، وكان على مقربة من فضحك وعزم أن ينيله ما يريد ! أصبح باخوم ولا هم له إلا شهوة إمتلاك قطعة أرض يزرعها لنفسه. وبينما هو مشغول بهذا الموضوع ، بلغه أن السيدة صاحبة المزرعة ، تريد أن تبيعها قطعاً ، على ان تأخذ ثمنها أقساطاً . فذهب إليها واشترى منها عشرين فداناً ودفع لها كل ما كان بيده. وصار يزرعها ويسدد جزءاً من أقساطها إلى أن أخصبت كورته ذات سنة فسددت كل ما عليه واشترى أيضاً ماشية فاتسعت دائرته. ثم بلغه أن جاره يريد أن يبيع القطعة التى اشتراها لنفسه ليرحل عن تلك الجهة، فاستغل حاجته هذه واشترها منه بثمن بخس ، فصار له خمسون فداناً بعد أن كان لا يملك شبر أرض! كان " باخوم " فى بيته يحسب رصيد العام عندما طرق بابه ضيف قادم من بلاد بعيدة ، ورحب " باخوم " بضيفه إذ كان صديقاً قديماً ، وهنأ الضيف " باخوم " بنجاحه وسعادته فقال الأخير : " أما النجاح فلا بأس به لأنى أمتلك الآن عزبة فيها خمسون فداناً تعطى محصولاً جيداً ... أما السعادة فإنى أخبرك بالأسف إنى لست سعيداً ، لأنى أحس أن أرضى ضيقة وأنا أتمنى لو أنها صارت مائة ، فكنت أوسع على نفسى وأشترى بقراً وخيلاً أكثر . وأقتنى عربة للركوب ، وأبنى لى بيتاًأحسن من هذا ... ولكن أصحاب الأراضى حولى لا يريدون التنازل عن كثير من أراضيهم " ! وأجاب الضيف : " إننى عائد الآن من بلاد على نهر الفولجا ، حيث أراضى فسيحة خصبة وأصحابها بسطاء جداً يسهل عليك أن تضحك عليهم وتأخذ ما تشاء من أراضهم بهدايا بسيطة مثل علب الشاى وبعض الملابس وعقود الخرز وما أشبه ! فقال " باخوم " فى نفسه : وماذا يمنعنى من هجر هذه البقعة والذهاب إلى تلك الجهة ، فأستطيع أن أمتلك مئات الأفدنة بكل سهولة ! ثم إنه باع مزرعته ، وشطب حساباته ، ورحل معه هدايا كثيرة من الشاى والحلوى والملابس ، والعقود والأسورة ... وذهب مع خادم له إلى أن وصلا إلى ذلك الإقليم . وهناك قدم لمشايخ القبائل هداياه فرحبوا به كل الترحيب ، وأحسنواضيافته . ثم قال له رئيسهم الأكبر : قل لنا ماذا تطلب فنفعله لك فى الحال ! فأجاب " بلغنى أن عندكم أرضاً خصبة لا تنتفعون بها ، وأنا رجل مزارع ، فإذا شئتم فبيعوا لى منها ما تشاؤن بالثمن الذى ترغبونه " ! قال الرئيس : " مرحباً وألف أهلاً وسهلاً ... وكل الثمن الذى نطلبه منك هو ألف روبل عن اليوم الكامل . " وسال باخوم : " ما هو المقصود باليوم الكامل وكم فداناً يكون ؟ " فأجاب الرئيس : " نحن لانستعمل المقاييس مثلكم وإنما تقدر الأرض بالسير فيها يوماً كاملاً ، ثمن الأرض التى يقطعها المرء مشياً على قدميه بوماً كاملاً هو ألف روبل بحيث تبتدئ السير عند شروق الشمس وترجع إلى النقطة التى ابتدت منها قبل أن تغرب الشمس ولو بدقيقة . فالأرض التى تدور حولها فى بومك هى لك بألف روبل . أما إذا تأخرت وغابت الشمس قبل وصولك ولو بدقيقة فيضيع عليك كل شئ . " وفرح " باخوم " بهذا الكلام . كان كل ما له ألف روبل وهو مستعد أن ينزل عنها كلها نظير الأرض الفسيحة التى سيقطعها فى يومه – وبات الرجل طول ليله يحدث نفسه بما سيمتلك. وفى الصباح باكراً وصل إلى المكان الذى عيونه للمقابلة ، وهو يشرف على سهل فسيح الأرجاء ، جيد التربه . فقال له الرئيس : " أنظر كل هذا السهل الفسيح هو ملك لنا ، ولك أن تسير فيه قدر ما تشاء فيكون لك . حافظ فقط على الشروط ، وضع ألف روبل فى هذه القبعة التى سنبقيها فى هذا المكان بحراسة رجلي منا وخادمك إلى أن تعود فإما يصير لنا المال ولك الأرض أو تفقد المال والأرض " ! وقام الرجل برحلته وهو يركض بمنتهى قوته وكان كلما قطع مرحلة كبيرة واراد الوقوف عندها ، تغريه خصوبة الأرض التى أمامه فيركض أيضاً ، وظل يركض ويركض كما لو كانت هناك قوة سحرية تجذبه ، إلى أن انتصف النهار. واشتد به التعب فجلس وتناول قليلاً من الطعام ثم قام كارهاً ليدور راجعاً فأخذ يسير إلى الناحية الثانية ولما رأى الوقت يسرع به انفلت إلى الناحية الثالثة وكان العصر قد أقبل ففكر أن يعود إلى النقطة التى ابتدا منها . أحس صاحبنا بالتعب المتزايد وبدأ يخلع ثيابه قطعة قطعة حتى لم يبق على جسده شئ ، وحذاؤه لم يطق أن يبقيه فخلعه يركض وقدماه تمزقهما الأشواك والأحجار الحادة ، ويناله من ذلك فوق آلامه الأخرى آلام مبرحة – ولما إشتد به التعب فكر أن يجلس ليستريح ولكه أبصر الشمس تنحدر نحو المغيب ، فاستمد من ضعفه قوه ، وجعل يركض ، وأنفاسه تخرج متدافعة لا يكاد يرسل إحداها حتى تلاحقة أخرى – وقبل أن يصل إلى سفح الجبل غابت الشمس عن عينه فأضطرب إضطراباً عنيفاً ولكنه عاد فذكر أن الشمس تغيب فى السفح قبل القمة . وإذ ذاك كافح مرة أخرى وأخذ يعدو بكل ما فيه من عزم ومن قوة ... ولما وصل استقبلته الجماعة بهتاف عظيم وقال الرئيس : " هنيئاً لك القطعة الكبيرة جداً التى أصبتها "... ولكنه ما أن وصل حتى سقط على الأرض ، وسال الدم من فمه . فأقترب منه خادمه ليسعفه وإذا هو جثة باردة ! فقام خادمه وحفر له قبراً طوله ستة أقدام وكان هذا كل نصيبه من الأرض !
تعليقات
إرسال تعليق